مفهوم العقد الاجتماعي في عصر الأنوار الأوربي

 شرح الدكتور مصعب قاسم عزاوي في مداخلته الأسبوعية في قناة Islam Channel التي تبث من بريطانيا باللغة الإنجليزية أساسيات مفهوم العقد الاجتماعي في عصر الأنوار الأوربي

وافتتح الدكتور مصعب قاسم عزاوي بالإشارة إلى أن المدرسة التعاقدية قد ازدهرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وقال عدد من العلماء من سواريز وغروتيوس وحتى كانط أن الالتزامات والحقوق السياسية مستمدة من عقد بين رجال ونساء يعيشون في حالة طبيعية، كما كان الحال. ورغم ذلك، فقد اختلفوا في كيفية تصوير هذه الحالة الطبيعية وما يرد في العقد الاجتماعي الأساسي من حقوق وواجبات. قام الدكتور العزاوي بطرح بعض من تلك الرؤى التي تشير إلى الكيفية التي نظر بها أهم مفكري عصر الأنوار إلى الكيفية التي يمكن بها استنباط الحكومة من فكرة موافقة الأفراد.

 توماس هوبز والعقد الاجتماعي: تبادل السلامة مقابل الطاعة
 
شرح الدكتور مصعب قاسم عزاوي بأن هناك اتفاق بين الحكومة والمجتمع بالنسبة لهوبز معنياً بالمفاضلة بين الحياة والسلامة من جهة والخضوع التام من جهة أخرى. وبدون حكومة، فإن حياة الناس ستكون فقيرة، وبغيضة، وفظة، وقصيرة. وقد قال لوك أن قائمة الحقوق يمكن أن تكون ملزمة للحكومة بمجرد وضعها، وهي الحياة والحرية والملكية. وفي نقده للإطار التعاقدي، استبدل هيوم الاتفاق باعتبارات المنفعة، والتي أدت بالنسبة إليه أن فضل الرجال والنساء الحكومة على الفوضى. كما أننا قد نجد التمييز بين النهج التعاقدي والنفعي للحكومة في النظرية السياسية الحديثة. ومع ذلك، فالمشترك بين النهجين هو فرضية ضمنية بأنه لا يمكن للناس إبرام اتفاقات وإنفاذها مع كل فرد طوال الوقت بشأن الأمور الأكثر قيمة بالنسبة لهم مثل السلامة والحرية والملكية. وستكون تكاليف المعاملات مفرطة.

أما مأزق هوبز -حماية الحياة كأساس للحكم- فيكون شرطاً ضرورياً للدولة فقط وليس للفرد، حيث يمكن أن تفشل الحكومة نفسها في حماية حياة المواطنين، وبالتالي فهي تتراجع بنفسها عن العقد. وبالنسبة لهوبز، يحتاج المجتمع للحكومة بشدة حيث ينطوي العقد على طاعة المواطنين إلى سيادية الحكومة. ولكن لماذا يقبل الناس بحكومة تعسفية، والتي قد تقوم بإبادتهم إبادة جماعية؟ حتى لو الحكومة أو الدولة هي مجرد آلية لتوفير تكاليف الصفقة، فإن الحكومة التي تفشل في احترام العقد الاجتماعي تنتهك حقوق الناس وتزيد من تكاليف المعاملات في المجتمع. وبالتالي، يجب تقييد قوة الحكومة من خلال بعض الوسائل التي تقوم بإضفاء الشرعية مثل آلية مؤسسية، على سبيل المثال دستور (كما قال كانط) أو المشاركة المستمرة (كما قال روسو).

جون لوك والعقد الاجتماعي : توقع التفاعل بين الأصيل والوكيل
وضح الدكتور مصعب قاسم عزاوي بانه مع لوك لا يمكن نمذجة أساس تعويض الحكومة والالتزام السياسي باعتباره من جانب واحد كما هو الحال مع هوبز. وبالتالي، فإن التفاعل بين الحكام والمحكومين يتم تصويره باعتباره ثقة. وفي القانون الأنجلو أمريكي تدل "الثقة" على وجود علاقة تعويض بين شخص لديه القدرة على إدارة شيء ما، عقار على سبيل المثال، وشخص آخر مستفيد من تلقي الفوائد من ذلك العقار. وليس هناك ما يعادل مفهوم الثقة بشكل دقيق في نظم القانون المدني، ولكن المرادفات تشمل: الحضانة، والرعاية، والوصاية، والاحتفاظ، وحفظ الأمانات، والقوامة. يؤدي هذا التبادل بين الحكام والمحكومين بلوك لنظريته عن الحكومة المحدودة، والثورة، وحقوق الإنسان. ومع ذلك، لا نزال لا نملك أي جواب لمسألة الالتزام السياسي عندما يكون مشروعاً كما يراه جميع أعضاء التنظيم السياسي وليس فقط طبقة النبلاء. وستكون الثقة تعريفاً ضعيفاً أو غامضاً لعلاقة الأصيل والوكيل بين الشعب وأسياده.

جان جاك روسو والعقد الاجتماعي: الالتزام المستمد من المشاركة

وأشار الدكتور مصعب قسام عزاوي بأنه صحيح أن روسو لم يستهدف تكاليف المعاملات كأساس للحكم، لكنه لم يكن بعيداً حقاً عن فكرة الحد من تكاليف المعاملات. وربما يكون الرجل والمرأة قد عاشوا همج سلميين قبل ظهور الحضارة، وذلك باستخدام قوتهم الطبيعية وحريتهم في المجتمع. ومع ذلك، عندما أدرك هؤلاء الناس آثار الملكية الخاصة، وجب إذاً إنشاء المؤسسات من أجل القضاء على الفوضى أو الحد منها. وما كان أمراً طبيعياً قبل العقد الكبيرة أصبح مؤسسياً بعد العقد الاجتماعي. وأصبح الآن ما يريده الناس –الحقوق- محمية بصورة أكبر أماناً من ذلك بكثير، حيث لا يمكن أن تنتهك بسهولة. وقد تحولت الحرية إلى قانون.

وفي الواقع، يبحث روسو عن حجة تكلفة المعاملات من زاوية تختلف عن إبرام الاتفاقات. ويؤكد على آثار إنفاذ العقود، أو صعوبة تنفيذ الاتفاقات دون توافق في الآراء. ويعد الإنفاذ بالطبع تكاليف من نوع المعاملات. وعندما يفرض كل رجل وامرأة حقوقهم، فإن تكاليف المعاملات ستكون مرتفعة. وإذا تقررت سيادية لإنفاذ حقوق المواطنين، فيجب على الجميع الطاعة إذاً، أو سيجبر على أن يكون حراً، كما ذكر روسو. وإذا كان الإنفاذ في كل زمان ومكان من الممكن أن يكون موضع تساؤل، فكيف إذاً يمكن خفض تكاليف المعاملات؟ وبالتالي، فبمجرد إنشاء الحكومة عن طريق العقد الاجتماعي يجب أن تطاع، ولكن هناك التزام بالطاعة فقط عندما يحصل هذا العقد على موافقة الجميع.

 إيمانويل كانط والعقد الاجتماعي: قيود سيادة القانون
واختتم الدكتور مصعب عزاوي بأن كانط نظر إلى فكرة التعاقدية من عقد أو اثنين من العقود العامة الكبيرة بوصفها خيال يسمح للناس بحل مسألة الشرعية حول سبب تعهيد عدد قليل من الناس بمهمة حكم الكثيرين. وقال كانط أن الحديث عن السلطة السياسية باعتبارها تستند إلى عقد بين الحكام والمحكومين لفرض قيود على الحكومة لتصبح الدولة دولة قانون. وإذا كان هناك عقد، فإن القواعد العقلانية التي يوافق عليها الناس كأساس للحكومة ستكون سيادة القانون. وتكمل وجهة النظر الشرعية نهج تكلفة المعاملات ولكنها لا تحل محله. أما إخفاقات التنسيق مع الخسائر الموجودة للاعبين فقد يتم الحد منها عن طريق إنشاء مؤسسة من طرف ثالث تقوم بإنفاذ الاتفاقات. وتعد الحكومة هي الطرف الثالث المنفذ المفضل حيث إنها قد تتملك وفورات الحجم لحماية العقد. ويؤدي اللجوء إلى آلية إنفاذ في المجتمع إلى تفاقم المشكلة الكلاسيكية في كل نظرية عقد من الحكومة: من سيقوم بحراسة الحراس؟ يمكن القول بأن وجود آلية كانط لسيادة القانون هي أفضل وسيلة توفير من تكاليف المعاملات من أجل حل هذه المشكلة بشأن السيطرة على المنفذين.

Popular posts from this blog

أسباب وأعراض سرطان المرارة

أسباب وأعراض سرطان المثانة

أسباب وأعراض سرطان المريء

كتب – دار الأكاديمية

دراسات – دار الأكاديمية

حوارات – دار الأكاديمية

ترجمات – دار الأكاديمية

تدوينات – دار الأكاديمية

مرئيات – دار الأكاديمية